اليمن- تلاشي السلام وسط أزمات متفاقمة وتصعيد عسكري محتمل

المؤلف: محمد القاضي11.03.2025
اليمن- تلاشي السلام وسط أزمات متفاقمة وتصعيد عسكري محتمل

في خضمّ المأساة المتفاقمة في غزة، حيث تتضاءل الآمال يومًا بعد يوم، ومع فشل الجهود الدولية الحثيثة في إيقاف العدوان الإسرائيلي الشرس وغير المسبوق على القطاع المحاصر منذ أعوام، يتلاشى الحديث عن السلام في اليمن، وتتلاشى معه البشائر التي لاحت في الأفق نهاية العام الفائت.

 أزمة مالية خانقة

تتربّص باليمنيين أيام عصيبة تنذر بمزيد من المعاناة الإنسانية، وسط هواجس من تجدّد المواجهات العسكرية على مختلف الجبهات وانهيار الهدنة الهشّة التي كان يُفترض بها أن تكون فاتحة لاتفاق وقف إطلاق نار شامل برعاية أممية، يعقبه صرف رواتب موظفي الدولة، وفتح الطرقات وتسهيل حركة وتنقل المواطنين بين المدن التي فرّقتها الحرب المستمرة منذ عقد تقريبًا.

فوجئ اليمنيون قبل شهر تقريبًا بإعلان البنك المركزي الخاضع لسيطرة الحوثيين، وفي خطوة مفاجئة، عن إصدار عملة معدنية من فئة 100 ريال، في محاولة يائسة للتغلب على أزمة السيولة وتعويض العملة الورقية التالفة من الفئة ذاتها. وثمة توقعات تشير إلى أن هذا الإعلان سيتبعه إعلانات أخرى مماثلة، الأمر الذي يزيد من حدة الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بالبلاد، ويؤدي إلى تعميق الانقسام المالي بين البنك المركزي في عدن، التابع للحكومة المعترف بها دوليًا، وبنك صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين، ويحدث شرخًا جديدًا في جدار الوحدة الوطنية المتصدع، ممّا يخلف تبعات وخيمة يدفع ثمنها الشعب اليمني التائق للنجاة من هذه الحرب والأزمات المترتبة عليها.

حكومة عاجزة

ومن اللافت للانتباه، وصف الحوثي في خطاباته الأخيرة الهدنة الهشة بأنها مجرد اتفاق على خفض التصعيد، في محاولة للتنصل من أي التزامات سابقة، معتبرًا أن الوضع الراهن قد تغيّر وأن الحوثي ما بعد حرب غزة يختلف عما كان عليه قبلها، وأن الوقت قد حان لجني ثمار تضامنه مع سكان غزة، لا سيما بعد الإشادة الشعبية الواسعة التي حظي بها عربيًا وإسلاميًا، وبروزه كلاعب إقليمي مؤثر في المنطقة. في المقابل، تبدو الحكومة الشرعية، بجميع مكوناتها المنضوية تحت لوائها، في حالة من التخبط والضياع، وتكاد ردود أفعالها تنحصر في البيانات والتصريحات الصحفية الطنانة، فيما تعجز مؤسساتها عن اتخاذ قرارات حاسمة تخفف من وطأة المعاناة على اليمنيين، وتفتح لهم آفاقًا واعدة ومبشرة.

مشهد قاتم ومعقد

على الصعيد العسكري، على الرغم من الهدنة المعلنة، لم تتوقف التصريحات النارية المتبادلة بين الطرفين، وعلى الرغم من أن الجبهات قد شهدت خلال الفترة الماضية مناوشات واشتباكات خلّفت قتلى وجرحى، إلا أنها لا تزال محدودة نسبيًا. ومع ذلك، يُتوقع أن تتصاعد وتيرتها في ظل اندفاع الحوثي نحو الحسم العسكري، ورغبته العارمة في إخضاع كامل الأراضي اليمنية لسيطرته، تحت ذرائع متعددة، يتصدرها في الوقت الراهن القضاء على من يصفهم بـ"عملاء ومرتزقة العدوان الأميركي البريطاني"، الذي يقصف مواقع تقع تحت سيطرة جماعته منذ بداية عملياتها التضامنية مع غزة في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويبدو أن الحكومة الشرعية تدرك تمام الإدراك أن الخيارات العسكرية هي الأرجح للتعامل مع الحوثي، وقد أكد ذلك رئيس مجلس القيادة الرئاسي في تصريحات أدلى بها في مطلع شهر أبريل الحالي بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لتعيين المجلس وتفويضه بمهام رئيس الجمهورية، بقوله الصريح: "إن المسافة أو الطريق إلى السلام سوف يحسمها الجيش الوطني والتشكيلات العسكرية".

وهكذا يبدو المشهد في اليمن قاتمًا ومعقدًا، وأقرب ما يكون إلى الحرب منه إلى السلام. ومن المؤسف القول إن الشعب اليمني قد لا يتمكن من تجاوز سنوات الحرب وأوجاعها في المستقبل القريب، إذ أن الأفق لا يحمل في طياته تباشير انفراج قريب لهذه الأزمة المستعصية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة